الشيخ محمد الحسين …ذكرى الشنقيطي الذي أنار تاريخ المحظرة في الخليج
لاقت تسمية بلدية توجنين أحد شوارعها باسم العلامة الموريتاني الشيخ محمد الحسين بن حبيب الله، احتفاء وتقديرا من محبي الراحل وتلاميذته المتوزعين في أقطار متعددة من العالم الإسلامي، حيث ترك بصمات علمية وروحية في مناطق متعددة، وخصوصا في دول الخليج العربي التي ذاع صيتها، فيها باعتباره أحد الرموز العلمية والروحية المتوجة لعطاء وتميز المحظرة الموريتانية، وشخصية الشنقيطي الأصيل.
قبل ذلك، كان الشيخ محمد الحسين ولد حبيب الله، قد التقط صور الحياة الأولى في جبال تكانت، وخصوصا في منطقة أشرم، حيث كانت تقيم أسرته العلمية، وحيث كان والده العالم أحمد محمود بن حبيب الله، يدير واحدة من أهم المحاظر في منطقة آفطوط.
وفي بيت والده، وعلى يديه تلقى عطاء ثرا من المعارف الإسلامية المختلفة، في القرآن والفقه المالكي، واللغة وغيرها من معارف الشريعة الإسلامية، قبل أن يتوجه تلقاء محاظر متعددة في رحلة علمية أنافت على العقدين.
وفي محظرة أهل اجميلي بضواحي أهل سيدي ولد سيدي الأمين نال الإجازة، بعد أن مر على محاظر متعددة، قبل أن يأخذ معارف واسعة من الفقه والتصوف القادري على يد الشيخ سيدي المختار بن عبد الجليل الذي” عممه وصدره للتربية والتدريس” وحلاه بلقب الشيخ.
عاد الشيخ محمد الحسين إلى محظرة والده، الذي قدمه للإمامة والإقراء، وتصدر على يده عدد من الأئمة الأفذاذ، من أقاربه ومجتمعه، ممن كانت لهم بعد ذلك أدوار علمية ودعوية وتربوية مرموقة.
ولم تطل الإقامة، حتى حداه حادي الأشواق إلى الاستزادة، فتابع مشواره التعليمي في محظرة أهل أواه ولد الطالب إبراهيم المعروفة، قبل أن يبدأ رحلة أخرى قادته إلى محاظر ومكتبات تجكجة، التي أقام فيها سنة كاملة، قبل أن ينتقل إلى تيشيت ثم ولاته، حيث نهل من المعارف، والتقى المشايخ المسندين، ونهل من المكتبات العامرة، بـآلاف المخطوطات المختلفة، في مختلف فنون الشريعة، وكتب النوازل والإفتائيات.
رحلة الحج …أشواق البيت الحرام
تابع الشيخ محمد الحسين بن حبيب الله رحلته العلمية، بعد أن أضاف إليها هدفا أسمى وهو حج بيت الله الحرام، فسار في رحلة مرت به على مناطق متعددة من الشريط الساحلي من غرب إفريقيا، قبل أن يصل إلى مدينة أم درمان السودانية، التي عاد إليها بعد الحج، وأقام فيها لسنوات إماما وداعية ومربيا ومصلحا، قبل أن يلتحق بعد ذلك بجامعة الأزهر، التي نال منها درجة الماجستير في الحديث الشريف، وكان من أوائل الموريتانيين الحاصلين على هذه الدرجة في علم الحديث النبوي إن لم يكن أولهم.
رجل الدعوة والمنابر
تولى الشيخ محمد الحسين بن حبيب الله مهام علمية ودعوية مختلفة، فقد درس سنتين متواصلتين في محظرة والده في شكار بولاية البراكنة، كما تولى منصب إمام وخطيب الجامع الكبير بأم درمان بالسودان، وكان يدرس فيه مختلف الفنون الشرعية من فقه وتفسير وحديث ولغة وأصول وأدب.
كما تولى تدريس مادتي الفقه والسيرة النبوية في المعهد العلمي بأم درمان، وفي الأزهر الشريف درس فترة غير طويلة، قبل أن يقرر الانتقال والإقامة في مكة المكرمة، حيث درس في المسجد الحرام عدة سنوات، قبل أن يتحول بيته إلى محظرة علمية مفتوحة للطلاب المسلمين من مختلف الجنسيات والمذاهب، كما أسلم على يديه أفراد متعددون من جنسيات مختلفة
وفي مكة المكرمة، أدار الشيخ محمد الحسين وقدم برنامجا إذاعيا تحت عنوان قبسات من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو البرنامج الذي نال شهرة واسعة في إذاعةى القرآن بمكة المكرمة، قبل أن يتحول لاحقا إلى عنوان نور على الدرب، وتولى تقديمه مفتي المملكة المرحوم الشيخ عبد العزيز بن باز
وقد ترك الشيخ محمد الحسين مؤلفات متعددة، من بينها شرح على رسم الطالب عبد الله في رسم القرآن الكريم، وشرح على منظومة ابن بري في مقرئ الإمام نافع، وشرح موسع على مختصر الشيخ خليل، وقد توفي قبل أن يكمله بعد أن وصله ‘إلى مراحله النهائية، كما ترك مذكرات شخصية بعنوان” ذكريات في جمهورية السودان”
رجل المآثر في ذاكرة الأدب
عرف عن الشيخ محمد الحسين إلى جانب شخصيته العلمية وإشعاعه الروحي كرمه الدفاق، حيث كان ينفق على آلاف الأسر وعشرات المحاظر، كما أقام عشرات المساجد والآبار، وقد سجلت ذاكرة الأدبين العربي والفصيح للراحل مئات القصائد والمقطوعات التي مدح بها، حيث يمكن اعتباره أكثر موريتاني ممدح خلال القرن المنصرم.
وفي 28 نوفمبر 2017 أسلم الشيخ محمد الحسين بن حبيب الله الروح إلى بارئها، وغادر الدنيا متزودا بكثير من المآثر والفضائل، حيث دفن في مقبرة المعلا الطاهر، مختتما بذلك رحلة أشواق قادته من أعماق الأرض الموريتانية، وانتهت به جارا البيت العتيق،
ريم أفريك