وفاة مؤسس أعرق مجلة إفريقية في باريس(صورة + هوية)
أعلن، اليوم (الاثنين) 3 مايو في باريس، عن وفاة بشير بن يحمد مؤسس مجلة ” جون أفريك ” الأسبوعية التي تصدر في العاصمة الفرنسية عن عمر بلغ 93 عاما؛ متأثرا بإصابته بفيروس “كورونا”.
و يجمع من عرفوا الراحل وتعاملوا معه، على أنه كان يجسد مسارا لا شبيه له في مجال الصحافة الناطقة باللغة الفرنسية في العالم كله.
فقد بدأ بشير بن يحمد الذي ولد في جزيرة جربة التونسية حياته المهنية بتقلد منصب وزير الإعلام التونسي في ستينات القرن الماضي.
ولكن مساره ارتبط لأكثر من نصف قرن بالصحافة وبالقارة الإفريقية. ومن هنا جاءت تسمية ” جون أفريك” أي “إفريقيا الفتية” باللغة الفرنسية. وتتخذ المجلة من باريس مقرا لها.
وما كان يميز بشير بن يحمد كصاحب مؤسسة إعلامية فرنسية متخصصة في الشأن الإفريقي أنه كان لعشرات السنيين رئيس التحرير الفعلي.
وكان الصحافيون الذين عملوا معه يعجبون لثراء معلوماته ودقتها خلال اجتماعات التحرير.
وكان دوما يقول إن الصحافي الذي يظن أنه يعرف كل شيء جاهل لأن الصحافي الحقيقي يتعلم كل يوم.
وكان حريصا على إخضاع مقالات رؤساء التحرير الذين تعاقبوا على المجلة لعملية تدقيق يشارك فيها حتى الصحافيون المبتدئون كي تترسخ لدى كل صحافي أيا يكن موقعه قناعة مفادها أن كل كلمة من كلمات هذا المقال أو ذاك ينبغي أن تكون في محلها وأن مراجعة الأخطاء اللغوية ضرورة قصوى وأن الصحافي ليس مبدعا بل هو حرفي.
وبرغم أن كثيرا من الذين عملوا لفترات طويلة أو قصيرة مع مجلة ” جون أفريك ” كانوا يشكون من عدم مجازاتهم ماليا كما تجب المجازاة، فإنهم فخورون كلهم بوضع هذه المحطة في سيرهم الذاتية لأن ” جون أفريك” فرضت نفسها شيئا فشيئا باعتبارها مدرسة في مجال إتقان مهنة الصحافة.
وكثير من الكتاب الفرنسيين وغير الفرنسيين المبدعين باللغة الفرنسية صقلوا مواهبهم في ما يخص صحافة ” الزوايا” أحد الأجناس الصحافية غير السهلة حتى بالنسبة إلى كبار الصحافيين.
ومن هؤلاء الكتاب كاتب ياسين وأمين معلوف وفوزية الزواري وليلى سليماني. ومما كان يحسب لمجلة ” جون أفريك” التي أسسها بشير بن يحمد ونماها أنها كانت صوت العالم الثالث.
بل إن بشير بن يحمد أجرى مقابلات مهمة مع زعماء البلدان النامية التي كانت تصبو إلى التخلص من ربقة الاستعمار في أشكاله الجديدة ومنهم مثلا جمال عبد الناصر وهو شي منه وفيديل كاسترو. ومن المآخذ التي أُخذت على المجلة خلال العقود الثلاثة الأخيرة أنها كانت تبالغ في إعداد مواد دعائية للأنظمة الحاكة في إفريقيا.
وقد حرص بشير بن يحمد لعقود على إعداد ابنيه لمواصلة التجربة التي أطلقها في ستينات القرن الماضي والتي ثبتت أمام كل الهزات ، فهل تثبت ” جون أفريك ” بعد رحيل ربانها أمام الهزات التي تزايدت لأسباب كثيرة منها الثورة الاتصالية الجديدة التي عصفت بالطبعات الورقية بالنسبة إلى كثير من الصحف والمجلات العريقة ذات الصيت العالمي ؟ عمل بشير بن يحمد مراسلا لجريدة “لوبتي ماتان” التونسية الناطقة بالفرنسية قبل أن يعين مديرا لمكتب لمحمد المصمودي، وزير دولة في حكومة الطاهر بن عمار، لكنه استقال من هذا المنصب في مايو 1955، ليدير جريدة “لاكسيون” التابعة للحزب الحر الدستوري الجديد . أطلق في 17 أكتوبر 1960 صحيفة “أفريك أكسيون” التي تحولت لاحقا إلى “جون آفريك”.