الأغنية السياسية المؤثرة .. وشبح الاندثار/ محمد محفوظ المختار
المنتوج الأدبي ذا الطابع السياسي جزء أصيل من الموروث الثقافي للبلد وحق راسخ للأجيال القادمة، يجب أن يحفظ عبر توثيقه بغية استفادة الأجيال القادمة منه .
لا زالت لدي بعض أفلام الاستقبالات والحفلات التي حظي بها الرئيس الأسبق معاوية ولد سيد أحمد ولد الطايع في عدة مناطق من الوطن، ولا زلت أقتطع من وقتي جزء يسيرا لأتابع بعضا من ذلك الموروث الأدبي والكرنفالي السياسي وأرى وأسمع ما تضمنته تلك الحفلات من قصائد معبرة وأغاني مميزة وخطابات سياسية موغلة في العمق أحيانا و طريفة إلى أقصى الحدود في أحايين أخرى..
شعور غريب ينتابني وأنا أشاهد الراحلة ديمي منت آب تغني للرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع
معاوية الخير هذي الحشود ** ترد الجميل وترعى العهود
ويزداد الشعور غرابة عندما أستمع إلى أغاني أفراد أسر أهل الميداح وأهل أعمر تيشيت وأهل أعمر إيكيو وبقية أسرة أهل آب وأهل أيده وأهل حمبارة وأهل النانة وأهل بوب جدو وأهل همد فال وأهل أعل وركان وأهل أعلي وأهل دندني وأهل انكذي وغيرهم من الأسر الفنية الموريتانية العريقة أيام الحملات والمهرجانات السياسية والزيارات التفقدية إلى الداخل التي قام بها الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع في تلك الفترة التي كانت الأغنية السياسية الموريتانية تعيش فيها لحظات الازدهار بل الإبهار .
نفس الشعور ينتابني وإنا أستمع للمعلومة وهي تتغنى بأبيات الشاعر ادي ولد آدب لحزب اتحاد قوى التقدم :
حزب اتحاد قوى التقدم يرسم.. شمسا وسنبلة ونخلا فافهموا.
الشمس بدر ملهم والزرع حلم .. مطعم والنخل رمز أعظم
فأصوله تحت التخوم فروعه ** فوق النجوم على المدى لا يهزم
ولا يغيب ذلك الشعور وأنا أسترجع ما ترنمت به قبل ذلك في حق الرئيس أحمد ولد داداه “وانت تاريخك أبيض ناصع مكتوب وممحص بالذهب”
كما تزالت ترانيم الراحلة منينه منت الميداح وهي تشدو للمرشح الرئيس مسعود ولد يلخير في حملته الانتخابية عام 2003 تداعب الخيال لجودة كلماتها وجمال تلحينها وجودة أدائها.. وذلك حين تقول
ياشعب ابشر ما خاب ** ظنك فالي موعود
نتيجة الانتخاب ** النجاح لمسعود
وقد حظي “نشيد” اعل سالم ولد اعلي في حملة محمد خونه والد هيدالة عام 2003 بقبول حسن لدى مختلف الناخبين خاصة في ظل ضبابية فنية طغت على مشهد الحملة الانتخابية لذلك المرشح حينئذ .
بالقطع ليس هذه كل الأغاني ذات الطابع السياسي التي أرخت للمشهد السياسي الوطني فهناك الأغنية التي واكبت تأسيس الدولة الموريتانيا ورافقت حزب الشعب طيلة فترة حكمه للبلد .. كما لا شك أن هناك نماذج أخرى من الأغنية السياسية أعقبت تلك الفترة سطرت لحظات من التاريخ السياسي في الفترة الممتدة من عام 1978 إلى بوادر الانفتاح السياسي الذي أسس له دستور 20 يوليو 1991. غير أن عدم الحفاظ على ذلك الأرشيف الثقافي والفني أحال أغلبه إلى خانة الاندثار.
غني عن القول أن هناك فترة زمنية تزيد على عقد من الزمن قبل عام 2019 شهدت فيها الأغنية السياسية تراجعا مطردا أوشك أن يدفع بها إلى حافة الإنقراض بسبب الإهمال الذي تحول في لحظة ما إلى ما يشبه الاستهداف بل و الهجوم الصريح على الثقافة والأدب والشعر… لكن قبل ثلاث حجج ونيف بدأت تلك الأغنية تدخل مرحلة التعافي الذي لا شك سيدفع بها إلى مراتب متقدمة يستحقها أهل الفن والأدب.
الموروث الأدبي عموما والسياسي منه على وجه الخصوص هو جزء أصيل من الذاكرة الوطنية وحق راسخ لقادم الأجيال يجب الحفاظ عليه ومنحه من العناية والاهتمام ما يجعله يصل تلك الأجيال على أحسن هيئة وأتم صورة.