عامان مرا…
عامان مرا على تنصيب صاحب الفخامة السيد محمد ولد الشيخ الغزواني رئيسا للجمهورية. مناسبة اغتنمتها النخبة السياسية والثقافية لتقييم 40% من مأمورية الرئيس. وكان تواصل قد هرع، في سابقة عجيبة، إلى تقييم المأمورية فور انقضاء 10% منها!
ولعل التقييم الحصيف، إن كان لا بد منه، هو ذلك الذي ينظر إلى المدة الزمنية المنقضية لتقييم الأداء فيها حصرا، دون سحب النتيجة؛ سلبا أو إيجابًا، على كامل المأمورية. بمعنى أن نستعرض التعهدات فنحدد، بموضوعية حسابية، ما الذي يمكن تحققه منها في الظروف العادية، وفي الظروف الاستثنائية، خلال سنتين، وما الذي تحقق بالفعل، دون أن يغيب عنا أن الظروف الاستثنائية مخيبة غالبا للتوقعات… ولا نزال منذ انقضاء 10% في ظروف استثنائية…
حين ننطلق من أن التقييم ينحصر في المدة الزمنية المنقضية، وهي محدودة التأثير فيما بعدها اللهم لجهة الاستفادة من الأخطاء لتداركها، سنلاحظ أن الورشات التي أنجزت، أو التي في طريقها إلى الانجاز قد شملت كافة القطاعات الحيوية، خاصة تلك التي تمس الحياة اليومية للمواطن العادي…
ففي مجال الصحة تحقق الكثير، خاصة في مجال مكافحة الجائحة، وإصلاح الهياكل الصحية، ويظل تحسين المنجز فيما تبقى من المأمورية ممكنا من خلال محاربة ناجعة للأدوية المزورة بافتتاح كلية للصيدلة والتعاون بين القطاع العام والخاص لإقامة صناعات دوائية، تقلص فاتورة العملة الصعبة، وتخفض سعر الأدوية.
كما لا يمكن إنكار ما أنجز في مجال التعليم العمومي خلال هاتين السنتين، ولا بد من استمرار وتيرة الاصلاح خلال ما تبقى من المأمورية ليشمل التعليم الخصوصي حيث يعشش تسيب لا مثيل له، على مستوى الكادر البشري، والمقررات الدراسية، ومصداقية امتحانات النقل، والأسعار التي لا تخضع لأي معيار.. فيكاد ينحصر الفرق بين التعليم العمومي والخصوصي في الكلفة المالية.
ولعل إصلاح الشهادات الوطنية يكون أولوية في السنوات القادمة؛ فلا معنى لشهادة ختم الدروس الابتدائية إذ لم تعد شهادة أصلا، ومن قصر النظر أن تظل الثانوية العامة في مجالات ثلاثة فقط، بينما في كل العالم هناك ثانويات متخصصة في الاقتصاد، والهندسة، والمهن المختلفة التي تكوّن الكادر المتوسط الذي تقوم عليه البنية الاقتصادية.
إن الاحتفاء بالأربعين في المائة هو احتفاء بمؤشر إيجابي تقوّم على أساسه الاجراءات العملية للوفاء بما تبقى من التعهدات كحد أدنى، خلال الستين في المائة الباقية من المأمورية، هذا إذا أرادت النخبة المساهمة بشكل فعال وناجع في تنفيذ برنامج فخامة رئيس الجمهورية. لذلك ينبغي التركيز، من الآن فصاعدا على ما تبقى من المأمورية للتآزر، كل من موقعه، في سبيل شمول النهضة الاقتصادية، وعموم السلم الاجتماعي.
ولعل فخامة رئيس الجمهورية قد نبه، في مقابلته، إلى ضرورة “التموقع الصحيح” لتظل الأغلبية أغلبية والمعارضة حيث ينبغي أن تكون في النظم الديمقراطية… فقد استبعد فخامته إجراء “حوار” مع المعارضة، موردا حجة دامغة: الوطن ليس في أزمة. وما دامت الحياة الديمقراطية تسير وفقا لمساطرها الدولية فلا مسوغ ل”حوار وطني”، وإنما التشاور الموسع، والمستمر هو أقصى ما ينبغي أن تطالب به معارضة ديمقراطية خاضت انتخابات متحالفة، وتخالفة، وخسرتها، في الحالتين، بنتائج تترجم بالأرقام شعبية الأحزاب والشخصيات الوطنية. هذا التشاور الموسع، والمستمر حظيت به المعارضة؛ ما بقي منها، دون أن تطالب به.. لكنه شبر لا يفضي إلى ذراع…
خلاصة قولي، وليست خلاصة القول، أن الأربعين في المائة قد انقضت بما لها وهو كثير، وما عليها مما يلازم أي عمل بشري، وواجبنا في الأغلبية هو أن نستثمر نجاحات الأربعين، ونستخلص العبر من نواقصها لتسلم لنا الستون المتبقية.. ولن نتفاجأ إذا طالعنا واحد “من الملايين المغفلة” بعد شهور، بتقييمه السوداوي ل40,5% من المأمورية.. فالعاجز عن الانجاز بصير ب”النواقص”…
الدكتور : محمد إسحاق الكنتي