الولي الصالح والمجاهد الكبيرالشيخ حماه الله وسام لموريتانيا أولا

بقلم :الشريف أحمد ولد اكرمبلة

* مترجما عن نصه الأصلي بالفرنسية ”

 

ينتمي الشيخ حماه الله في نشأته الأولى لمدينة تيشيت العريقة، لؤلؤة الصحراء الموريتانية في الشرق ومدينة العلم والعلماء والأشراف الصالحين ، وقد خرج منها بعد ذلك ليستقر في مدينة نيور بجمهورية مالي اليوم ، وهو ولي من أولياء الله وقد كان في مقدمة الجهاد والمواجهة مع المستعمر الفرنسي ، الذي وجد العديد من المشاكل والصعاب معه ، وتمت الوشاية به لدى قادة هذا المستعمر الغازي في المنطقة ، على أنه يهيئ جيشا للجهاد ضده.

وهكذا لم يكن على وفاق مع الفرنسيين الغزاة وقد قاموا بسجنه مرات عديدة ، الأولى منها في مدينة المذرذرة ( الصنكة ) ، حيث لا تزال الشجرة المباركة التي كان يتعبد تحتها في مكان السجن شاهدا على حقبته هناك ، ثم قاموا بإرجاعه إلى مدينة نيور التي سجن فيها أيضا ثم ذهبوا به إلى دكار عاصمة السينغال ، حيث استدعاه الجنرال القائد العسكري لمنطقة أفريقيا الغربية آنذاك في دكار ، ولما جاءه وجد عنده في قاعة الانتظار بمكتبه بعض المشايخ يحملون أوسمة على صدورهم وشحتهم بها فرنسا يومها ، وهو يدخل عليهم مصفدا بسلاسل الحديد في رجله ، فقال له الجنرال الفرنسي : أانت هو الشيخ حماه الله القادم من نيور ؟ فرد عليه الشيخ حماه الله : نعم ، فقال له الجنرال : يجب ان تسير خلف فرنسا وتطيع اوامرها ، ونحن سنعطيك الأمان وتعيش بسلامة وتقدير من طرفنا، ونوشحك أيضا بوسام من هذه الأوسمة التي تراها على صدور هؤلاء المشايخ أمامك ، الذين وقفوا جميعا للسلام عليك لحظة قدومك ، فرد عليه الشيخ حماه الله : هذه الأوسمة لا أريدها ، والعافية أطلبها من ربي وانا اعيش فيها بحمده وحده ولا أريد إلا هي فقط .

فقال له الجنرال الفرنسي : عليك ان تعرف انك إذا لم تقم بما طلبت منك فأنا أستطيع أن اقوم بسجنك كما أستطيع أن اقوم بقتلك أيضا ، فرد عليه الشيخ حماه الله : انا كل شيء يمكن ان تقوم به نحوي إلا ان تنزع الله من قلبي، فبهت الذي كفر واهتز من الأعماق امام هذا الجواب !

 

 

بعد.ذاك قام المستعمر الفرنسي بسجنه في كوديفوار في مدينة تدعى ادزوبى adzope ، وأقبل عليه الناس هناك واصبح له مريدون كثر تتلمذوا عليه في هذه المدينة ، لأن حراسه في السجن كانوا هم من ينقلون أخباره العجيبة لسكان المدينة .

ومن المعروف ان رئيس ساحل العاج الحالي آلاسان واتارا ، قد قام بإحياء ذكرى الشيخ حماه الله في هذه البلدة التي كان سجينا فيها ، وإعادة الاعتبار إليها كرمز ديني مقدس في ساحل العاج وسلم زمام الإشراف عليها لنجله وخليفته الآن الشيخ محمدو ولد الشيخ حماه الله.

 

ويعد تلاميذ الشيخ حماه الله الآن في أفريقيا بالملايين ، ويشكلون حاليا نصف سكان بوركينا فاسو وساحل العاج ومالي وغينيا والسينغال ، وطبعا أيضا له حضور واسع في المغرب والجزائر لأنه تيجاني من رواد الطريقة التيجانية الأوائل في أفريقيا والمغرب العربي .

 

وتجدر الإشارة أن المستعمر الفرنسي قد قام بسجنه أيضا في الجزائر في بلدة تدعى مرسى كبير بمدينة وهران ، وقد تتلمذ عليه أيضا في وهران نصف سكان هذه المدينة تقريبا ، لأن حراسه في السجن كانوا يتناقلون اخباره في صفوف سكان هذه المدينة ، والناس تأتيه ويستقبلها من كل أطراف وهران . وكان أول من تحدث عن أخبار وعجائب هذا القطب الرباني الشيخ حماه الله أثناء سجنه في مدينة وهران هي طبيبة جزائرية كانت هي اول من تولى تقديم حقنة له ضد داء الحمى آنذاك ، وعندما خرجت من عنده قالت للجميع : هذا رجل غريب وولي صالح ليس مثل البشر الذين رأيتهم في حياتي .

 

وقد توفي الشيخ حماه الله في فرنسا منفيا من طرف الإستعمار ، في مدينة إسمها مول لسون montluçon ويمكنني القول إنه في مقدمة المجاهدين الحقيقيين الخالدين في ذاكرة التاريخ ، لا يمكن ابدا تجاوز بصمتهم البارزة في التصدي للمستعمر والثبات على مواقفه ضده في كل فترات سجنه حتى منفاه الأخير في فرنسا دون ان تلين له قناة أو يتراجع عن مبادئه في الحياة .

 

إنه القطب الكبير والولي الصالح والمجاهد الأعظم الشيخ حماه الله ولد الشيخ سيدنا عمار ، رفض ان يمد يده مستسلما للغزاة الأجانب الذين أودعوه في ظلمات سجونهم المختلفة في الداخل والخارج ، حتى أسلم الروح لبارئها في مدينة مول لسون montluçon الفرنسية .

ومن عجائب وكرامات وبركة هذا القطب الشيخ حماه الله ، أنه في السجن الذي كان يوجد به في هذه المدينة مول لسون، montluçon كان مسجونا معه فيها سياسي فرنسي شهير يسمى مارسيل داسو marcel dassou الذي اصبحت عائلته بعد ذلك تملك شركة داسو العملافة للطيران العسكري الفرنسي ؛ حيث تعرف هذا الرجل السياسي داسو على الشيخ حماه الله في السجن ووجد أنه إنسان غير طبيعي في خصاله وقيمه الروحية ؛ فارتبط معه بصداقة عظيمة ؛ وهذا السياسي الفرنسي مارسيل داسو هو الذي دل بعد ذلك على ضريح الشيخ حماه الله في مدينة مول لسون ، لأنه حضر عملية دفن الفرنسيين له الذين كتبوا على قبره هذه العبارة :

 

cheriv hamahoulah de nioro شريف نيورو حماه الله .

 

صحيح انه خرج من نيورو ولكنه مجاهد موريتاني ومجاهد مالي ومجاهد إفريقي ، ومجاهد عربي إسلامي قبل كل شيء ، وفي ظل الحديث مؤخرا عن الأوسمة الوطنية في الذكرى الستين لاستقلال موريتانيا ؛ فإنه إذا كان هناك من يستحق على بلادنا مثل هذه الأوسمة ، فإنه أولا وأخيرا الشيخ حماه الله ، وفي ذلك على الأقل اعتراف رمزي بأنه فخر لموريتانيا التي أنجبت هذا الرجل قطب الزمان ؛ الذي وصل صيته وتأثيره خارج حدود ها إلى أماكن عدة مثل نظراء له من المجاهدين واقطاب الإشعاع الروحي الذين خرجوا اولا من ربوع هذا الوطن كالشيخ ماء العينين ولد الشيخ محمد فاضل والشيخ افاه ولد الشيخ المهدي العالم الجليل الذي سارت بذكره الركبان المسيطر على جميع المذاهب ، والذي لم تلمس يده أبدا فضة ولا ذهبا في حياته من شدة الورع والزهد والتقى ، وكذلك الشيخ وجاهة وغيره من أعلام هذا البلد الأمين .

 

ولكن الملاحظة البارزة في هذا السياق هي ان الشيخ حماه الله رحمه المولى تعالى قد ذاق كثيرا مرارة سجون الاستعمار ، إلى أن توفي غريبا في فرنسا عن أهله وأحبابه ومريديه.

 

إن كل الأنظمة المتعاقبة لم تتوجه لتحويل رفاته الطاهرة إلى أرض الوطن الأم ، لأن ذلك قد لا يكون متقبلا عند أبنائه وتلامذته ، مع أنهم يستطيعون القيام بذلك مثلما فعلت دولة غينيا ، عندما تم ترحيل قطب روحي كبير عنها ، يدعى آلفا يا يا جلو alpha yaya Diallo وقام الاستعمار بسجنه في اتشاركا في نواذيبو ؛ وتوفي بعيدا عن وطنه في نواذيبو ، وكان معه خلال فترة سجنه بنواذيبو قطب روحي آخر معروف هو الشيخ أحمد بمب السينغالي ، ومن تأثير هذا الأخير خلال سجنه في نواذيبو ، فإن إسم بمب قد انتشر بشكل واسع في ابناء ولاية داخلة نواذيبو تبركا به.

 

قام رئيس غينيا في السبعينات شيخو تورى بإرسال طائرة خاصة إلى موريتانيا ؛ وحطت في نواذيبو وحملت رفات هذا الشيخ المجاهد آلفا يايا جلو، التي استقبلها شعب غينيا كله في المطار ، وهذا المجاهد آلفا يايا جلو هو الذي اصبحت القاعدة العسكرية الكبيرة في كوناكري بغينيا تحمل إسمه الآن : قاعدة آلفا يايا جلو

le camp alpha yaya diallo

 

إن المجاهد الكبير الشيخ حماه الله يستحق بدوره احتفاء خاصا به في موريتانيا البلد الأم ، فلماذا لا يكون هناك شارع كبير يحمل إسمه ، أو جامعة أفريقية إسلامية باسمه.

 

إنه على الأقل لابد من اعتراف وطني بجهاده ودوره في التعريف بالإسلام ونشر قيمه السمحاء من خلال طريقته الصوفية ذات الأتباع والأنصار الكثر في كل زمان ومكان .

 

إن هذا الدور العظيم الذي قام به الشيخ حماه الله في نشر الإسلام والإشعاع الروحي لطريقته الحموية؛ هو الذي لا يزال مستمرا حتى الآن مع خليفته ونجله القطب الرباني الجليل الشيخ محمدو ولد الشيخ حماه الله ؛ الذي يتمتع بمكانة كبيرة اليوم في أفريقيا والمغرب العربي كله .

 

ولا أدل على ذلك من أنه عندما تعرض للوعكة الصحية التي مر بها سابقا ، سارع العاهل المغربي الملك محمد السادس جزاه الله خيرا ، بإرسال طائرة خاصة إليه في جمهورية مالي؛ من أجل استقدامه للعلاج في المملكة المغربية الشقيقة ، اعتبارا لقيمته الروحانية وقيمة والده الروحانية كذلك المجاهد والولي الصالح الشيخ حماه الله تغمده ربه الكريم في جنة النعيم .

 

إنه على الأقل من المناسب على بلدنا موريتانيا ان يضع كل هذه الأمور في الحسبان ؛ فالاهتمام الخاص بهذه المدرسة الروحية الكبيرة ؛ يعتبر إضافة متميزة لرصيدنا الوطني الموريتاني في مجال القيم الروحية والإشعاع الشنقيطي الأصيل والدبلوماسية الدينية الناعمة في محيط إقليمي يتهدده الغلو والارهاب والتطرف العنيف باسم الدين والعقيدة في بعض أوساط شعوب المنطقة .

 

إنها رسالة الجذور والجسور التي يجب في هذا العهد الجديد من حكم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني ، أن تقوي أكثر من لحمة موريتانيا الاجتماعية والثقافية ؛ وهو ما يخدم إيجابيا رصيدها الغني ودورها الناريخي الجلي في منطقة الساحل والصحراء وفي محيطها الإفريقي والعربي عموما بين الأمس واليوم .

 

وأخيرا لا أخفيكم سرا انني أشعر وأعتز كثيرا بارتباط روحي قديم وولاء صوفي وروحي خاص لمدرسة الشيخ حماه الله المجاهد والولي الصالح ، إضافة إلى ما يعرفه الجميع عن مكانة وآثار هذا القطب الكبير ؛ فأنا كاتب هذه السطور الشريف أحمد ولد أكرمبلة، اتصل. بهذه العائلة الروحانية الكريمة في نيور التي اعتبرها بمثابة الوالدين لي ، فأنا إبن اسرة عريقة من تينواجيو من جهة الأم ، هي أسرة اهل بون ولد هارون ولد بيب السماء ، وشرف لي عظيم بأنني سمي الشريف أحمد ولد الشيخ حماه الله الأخ الاكبر للخليفة الحالي الشيخ محمدو ولد الشيخ حماه الله ، حيث طلب من والدتي رحمها الله اخناثة الملقبة قمباصة منت بون ولد هارون ولد بيب اسم ، عندما رايت النور اول مرة ان تسميني باسمه (الشريف أحمد.)، كي اكون حسب قوله في ذلك الزمان نقطة وصل بين مجتمعين متقاربين في المنطقة ، وقد كانت الوالدة امرأة صالحة ومعروفة في قبيلة أخوالي تينواجيو ،وتحمل الكثير من النساء في الحوض الغربي ومنطقة الشرق وخارجه إسمها إلى اليوم ، وإني لعاض بالنواجذ على ذلك العهد لا احيد عنه ابدا ما حييت والوفاء من شيم الرجال الكرام

 

والسلام على روح مولانا الإمام الشيخ حماه الله في الخالدين ، وبارك في خليفته الولي الصالح الهمام الشيخ محمدو ولد الشيخ حماه الله أطال الله وعمره في طاعته ومصالح عباده وابقاه ذخرا لأمة الإسلام

وإلى الأمام

 

واسمحوا لي ان لا انهي هذا المقال دون ان اترحم على روح سيدة القرآن وأم حفظته من أبناء السينغال ، سليلة الأولياء والصالحين التي رحلت عن دنيانا الفانية قبل ايام : الشيخة العابدة العارفة بالله مريم بنت الشيخ ابراهيم انياس

 

تغمدها المولى الكريم في الفردوس الأعلى من جنة النعيم

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

الرائد العسكري المتقاعد/

الشريف أحمد ولد أكرمبلة

زر الذهاب إلى الأعلى