عن نظام الصفقات العمومية في موريتانيا

من المعلوم أن توطين الصفقات العمومية من أساسيات الاقتصاد الوطني لما يحتله من أولوية وأهمية لدى فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني والذي عبر أكثر من مناسبة أن دعم التنمية الاقتصادية الوطنية ومساندة الشركات الموريتانية هو مرتكز من مرتكزات سياسته الاقتصادية . كما  أكد فخامته  أن آلية الصفقات العمومية يجب أن تكون محركاً حقيقياً للنمو الداخلي، وأنّ الأفضلية الوطنية يجب أن تكون فعّالة وليست مجرد شعارات نظرية. فالرؤية الرئاسية تقوم على أن تكون الصفقات العمومية عاملاً يحقق أكبر قدر من الآثار الاقتصادية الإيجابية لصالح البلد. ، نظرا لما يمثله من دعم الاقتصاد الوطني عبر تشغيل العمالة الوطنية ودعم لحركية السوق المحلية.

ولعل سعي البعض إلى خرق وتجاوز  التوجيهات الرئاسية الواضحة والصريحة من خلال  التقدم للصفقات الوطنية  عبر شركات وهمية غالبا تفتقد إلى الكفاءة دائما،  للاستيلاء على الصفقات العمومية في منافسة غير شريفة للشركات الوطنية التي بذل أصحابها الغالي والنفيس من أجل الحصول على مرتبة وتصنيف مقبول،  أمر مستهجن ومرفوض .

ذلك أن دخول الشركات الأجنبية الوهمية للاستيلاء على صفقات وطنية من خلال وكلاء محليين  أمر بالغ الخطورة لما يمثله من ضغط على الشركات الموريتانية في مجالها، واستهداف لها في تخصصها.

ولقد أثبتت الوقائع التي حصلت في صفقة جسر الحي الساكن الأولى أن الشركات الأجنبية قد تكون وهمية ذات طبيعة احتيالية، حيث لم يتم إنجاز جسر الحي الساكن إلا عبر شركة وطنية المنشأ ورأس المال. بعد أن تم الاحتيال على المشروع  من طرف شركة وهمية استولت على التمويل الأولي للمشروع وغادرت دون أن تحدث أمرا أو تبقي أثرا.
ومن المعلوم أن الشركات الوطنية لا يمكنها أن تقدم على دخول مناقصة وطنية إلا في حال امتلاكها من الجاهزية ما يؤهلها لإنجاز المشروع موضع المناقصة بأقصى معايير الجودة مع الالتزام التام بالمواعيد الزمنية المحددة لإنجاز تلك المشاريع .

وبالنظر إلى جوانب من النظم القانونيه الناظمة لموضوع الصفقات العمومية نلحظ أن الأفضلية الوطنية: مبدأ تدعمه الدولة، فرغبة الدولة في تفضيل المؤسسات المحلية مثبتة في التشريعات القانونية والتي منها:
النص المؤسس: المرجع المركزي هو القانون رقم 2021-024 الصادر بتاريخ 29 ديسمبر 2021 المتعلق بمدوّنة الصفقات العمومية (CMP).
مراسيم التنفيذ: يستند الأمر إلى المرسوم رقم 2022-083 الصادر في 8 يونيو 2022 الذي يحدد القواعد المتعلقة بتنظيم وعمل نظام الصفقات العمومية، ويتضمن تفاصيل تطبيق الأفضلية الوطنية.
يسمح هذا الإطار القانوني بتطبيق هامش أفضلية (غالباً بين 7.5% و15% حسب حدود معينة وطبيعة السوق – الأعمال أو التوريد) لصالح الشركات والمنتجات الموريتانية أثناء التقييم المالي للعروض.
الهدف مزدوج:
1. تعويض العوائق الهيكلية التي تعاني منها الشركات الصغيرة والمتوسطة المحلية أمام الشركات متعددة الجنسيات
2. ضمان إعادة استثمار الأموال العامة داخل الاقتصاد الوطني، انسجاماً مع طموح فخامة رئيس الجمهورية.
2. التحايل: تحديده وآلياته غير المشروعة
على الرغم من هذا الإطار القانوني، تلجأ لجان الصفقات (CPMP) إلى أساليب ملتوية تُفرغ تطبيق هامش الأفضلية من محتواه، مما يناقض سياسة الإدماج التي تسعى الدولة إلى تجسيدها.
هذه الترسانة القانونية لا تقف عقبة أمام دخول الشركات الأجنبية ذات الخبرة والتخصص والكفاءة في مجال الصفقات المحلية،  لكنها تمنح الشركات الوطنية أفضلية تفرضها ضرورة التنمية المحلية وتمليها المصلحة الوطنية العليا.
غير أن عدم استثناء الشركات الأجنبية من الدخول في مناقصات وطنية لا يعفينا من القول إن الأولوية يجب أن تكون دائما للشركات الوطنية كما يفرض علينا أيضا التحذير من استيلاء الشركات الأجنبية الوهمية ذات النزعة الاحتيالية على الصفقات الوطنية الكبرى  لما لذلك من خطر بين على مشاريع الدولة وأموالها الأمر الذي قد تكون تداعياته أكثر سوء مما يعتقد أسوء المتشائمين.

زر الذهاب إلى الأعلى